الجلوس الطويل وتأثيراته الصحية

لماذا لا يعد الجلوس طوال اليوم سيئاً على صحتك كما تعتقد

يعتقد الكثيرون أن الجلوس لفترات طويلة طوال اليوم يشكل خطراً على صحتهم، بسبب الدراسات المنتشرة التي تشير إلى تأثيراته السلبية على الجسم. ومع ذلك، فإن الاعتقاد السائد بأن الجلوس طوال اليوم سيئ بشكل مطلق يمكن أن يكون مبالغًا فيه إلى حد ما. في الواقع، يمكن للجلوس لفترات طويلة أن يكون أقل ضررًا مما يتم تصويره في كثير من الأحيان، إذا تم اتخاذ بعض التدابير الوقائية، وإذا فهمنا بشكل أفضل السياق البيولوجي والصحي لهذه الأنشطة.

تغير الفهم حول الجلوس طويل الأمد

في العقود الأخيرة، بدأت الدراسات في تسليط الضوء على آثار الجلوس المفرط. العديد من الدراسات تربط بين الجلوس الطويل والعديد من المشكلات الصحية مثل السمنة، أمراض القلب، السكري، وحتى السرطان. هذا أدى إلى ظهور العديد من المبادرات التي تحث على الحد من فترات الجلوس الطويلة، وتوصي بالتحرك أو تغيير الوضعية بشكل متكرر. ومع ذلك، يتعين أخذ السياق بعين الاعتبار عندما نتحدث عن تأثير الجلوس الطويل على الصحة.

العديد من الدراسات التي تربط بين الجلوس طويلًا والمشاكل الصحية لم تميز بين الجلوس السلبي والجالسين في بيئات مهنية نشطة. على سبيل المثال، العديد من الأشخاص الذين يقضون وقتًا طويلاً في الجلوس أثناء العمل في المكاتب لا يتبعون بالضرورة نمط حياة غير صحي. هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يركزون على العمل العقلي، الذي لا يتطلب حركة بدنية نشطة ولكن لا يعني بالضرورة أنهم غير نشطين بدنيًا طوال اليوم.

الجلوس وأثره على الدورة الدموية والعضلات

عندما يجلس الإنسان لفترات طويلة دون تغيير وضعيته، قد يؤدي ذلك إلى بعض المشاكل في الدورة الدموية. الجلوس في وضع ثابت يحد من تدفق الدم إلى الأطراف، مما قد يؤدي إلى شعور بالخمول أو التنميل في الأرجل أو القدمين. ومع مرور الوقت، يمكن أن يؤدي هذا إلى ضعف في عضلات أسفل الظهر والساقين.

ومع ذلك، يُظهر الباحثون أن التأثيرات السلبية يمكن أن تكون مؤقتة، وإذا كان هناك نشاط بدني منتظم أو تم تجنب الوضعيات الثابتة لفترات طويلة، فإن الأضرار تكون محدودة للغاية. فعلى سبيل المثال، يمكن للأشخاص الذين يعانون من الجلوس لفترات طويلة أن يتجنبوا مشكلات الدورة الدموية والعضلات من خلال التبديل بين الجلوس والوقوف أو المشي بانتظام.

التمارين البدنية وأهمية التوازن

إحدى النقاط المهمة التي يجب النظر فيها هي دور التمارين البدنية في تعويض فترات الجلوس الطويلة. إذا كان الشخص يخصص وقتًا كافيًا لممارسة الرياضة أو التمرينات البدنية خلال اليوم، فإن الجلوس لفترات طويلة لا يشكل مشكلة كبيرة. تمارين مثل المشي، الجري، تمارين القوة، أو اليوغا يمكن أن تساعد في تقوية العضلات والحفاظ على مرونة الجسم، مما يعوض آثار الجلوس الطويل على الجهاز العضلي والهيكلي.

الأبحاث التي تظهر آثار الجلوس السلبي غالبًا ما تكون مرتبطة بنمط الحياة غير النشط، حيث لا يمارس الفرد أي نوع من التمارين الرياضية. في هذه الحالة، يمكن أن تكون فترة الجلوس الطويلة هي مجرد انعكاس لعوامل أخرى مثل قلة النشاط البدني، وهو ما يساهم في تفاقم المشكلات الصحية.

تأثير التكنولوجيا على الجلوس

من المعروف أن معظم الأشخاص في العصر الحديث يقضون فترات طويلة في الجلوس بسبب التكنولوجيا. وسائل التواصل الاجتماعي، مشاهدة الأفلام، ألعاب الفيديو، والعمل على الكمبيوتر هي بعض الأنشطة التي تتطلب الجلوس لفترات طويلة. إلا أنه من المهم ملاحظة أن استخدام هذه الأنشطة لا يؤثر على الصحة إلا إذا صاحبها نمط حياة غير نشط.

الجيل الحالي يميل بشكل متزايد إلى قضاء ساعات طويلة أمام الشاشات. إلا أن تأثيرات هذه الأنشطة تتعلق أيضًا بالعادات الأخرى مثل الراحة البدنية، والتغذية، والنوم. يمكن للأشخاص الذين يوازنوا بين الوقت الذي يقضونه في الجلوس وبين ممارسة الأنشطة البدنية، والحفاظ على نظام غذائي صحي، أن يقللوا من المخاطر الصحية المرتبطة بهذه الأنشطة.

الجلوس والآثار النفسية

من جهة أخرى، لا يجب إغفال الآثار النفسية للجلوس لفترات طويلة. فعلى الرغم من أن الجلوس قد يسبب بعض المشاكل الجسدية، إلا أن الجلوس في بعض الأحيان يمكن أن يكون مفيدًا للصحة النفسية. على سبيل المثال، الجلوس في بيئة مريحة يمكن أن يساعد في الاسترخاء العقلي، والذي بدوره يمكن أن يكون مفيدًا في تقليل التوتر والقلق.

هناك العديد من الأشخاص الذين يجدون في الجلوس لفترات طويلة طريقة للاسترخاء بعد يوم حافل. وبالتالي، فإن الاعتقاد السائد بأن الجلوس الطويل أمر سلبي يجب أن يكون مرتبطًا بالنشاط العقلي أيضًا. الجلوس لمشاهدة فيلم، القراءة، أو حتى التأمل يمكن أن يساعد في التخلص من الضغوط النفسية اليومية. في هذه الحالة، الجلوس ليس فقط مفيدًا لصحة الدماغ بل يمكن أن يكون له تأثير إيجابي في تقوية الصحة النفسية.

الفروق الفردية في التأثيرات الصحية

من المهم أيضًا أن نأخذ في الاعتبار الفروق الفردية. ليس كل شخص يتأثر بنفس الطريقة بالجلوس لفترات طويلة. فبعض الأشخاص قد يعانون من مشاكل صحية مرتبطة بالجلوس الطويل، بينما قد لا يعاني آخرون. العمر، الوزن، واللياقة البدنية تلعب جميعها دورًا مهمًا في تحديد مدى تأثير الجلوس على الصحة.

على سبيل المثال، الأشخاص الذين يعانون من السمنة أو الذين لا يلتزمون بنمط حياة نشط قد يتأثرون بشكل أكبر بالمشاكل الناتجة عن الجلوس الطويل. من جهة أخرى، أولئك الذين لديهم مستويات لياقة بدنية جيدة قد لا يعانون من نفس الآثار السلبية.

الخلاصة

لا يمكن إنكار أن الجلوس لفترات طويلة قد يكون له تأثيرات سلبية على الصحة إذا لم يتم مراعاة التوازن الصحيح بين الجلوس والنشاط البدني. ومع ذلك، يمكن للجلوس طويلًا أن يكون أقل ضررًا إذا تم دمجه مع فترات من الحركة والتمرين البدني المنتظم. من المهم أن نفهم أن التحديات الصحية المرتبطة بالجلوس لفترات طويلة تتعلق غالبًا بنمط الحياة غير النشط أكثر من ارتباطها بفعل الجلوس نفسه. وبالنسبة للكثيرين، يمكن تحقيق توازن صحي بين العمل الذهني والجسدي من خلال ممارسة الرياضة والاهتمام بالصحة العامة، ما يجعل الجلوس لساعات طويلة أقل ضررًا مما يعتقد الكثيرون.